جدول المحتوى
لا شك أن دورات الاقتصاد المتعاقبة لها أثر كبير على سوق العقار في أي بلد في العالم وبشكل أكبر على الاستثمار العقاري في هذه البلدان , لأن المطور العقاري قد يقع تحت ضغط كبير أثناء التضخم والركود أحياناً مما يسبب تبايناً في تاريخ تسليم المشاريع للمستثمرين , ولقد أكدنا في عدة مقالات سابقة أن الخطة الزمنية للاستثمار العقاري هي واحدة من أهم أسس الاستثمار الناجح.
كيف يؤثر الاقتصاد على أسواق العقارات؟
يتعلق سلوك أسواق العقارات بعدة عوامل أثناء الدورات الاقتصادية نذكر منها:
- ما هي نسبة الفائدة في البنوك المركزية ويلحق بها نسبة الفائدة على القروض العقارية؟
- ما هي معدلات تسعير مواد الإنشاء ومدى تباين أسعارها أثناء إنشاء مشروع ما؟
- ما هي تكاليف الشحن في حال كانت الدولة التي يتم فيها الإنشاء تستورد مواد الإنشاء من الخارج أو بعضها؟
- ما هي حزم التحفيز التي ستقدمها الحكومة للمطور العقاري لتفادي تعثره؟
- كم ستبلغ نسبة التضخم في بلد ما و كم هي المدة التي سيبقى فيها التضخم مرتفعاً قبل عودته مرة أخرى إلى النسب الطبيعية لهذا البلد؟
- هل ستدخل هذه البلد في ركود اقتصادي أثناء الدورة الاقتصادية أم لا ؟
إن الدورات الاقتصادية هي متشابهة من حيث المراحل وغير متناسقة بالضرورة من حيث الفترة الزمنية .
تمر الدورة الاقتصادية عادةً بأربع مراحل رئيسية:
- الانتعاش (Recovery):
- تبدأ بعد الركود.
- زيادة الإنتاج، وارتفاع مستويات التوظيف.
- تحسين الثقة الاقتصادية.
- الازدهار (Expansion):
- تكون فيها الاقتصاد في ذروته.
- معدلات نمو مرتفعة، وزيادة في الاستهلاك والاستثمار.
- قد تبدأ الأسعار في الارتفاع (التضخم).
- الركود (Recession):
- انخفاض النشاط الاقتصادي.
- تراجع في الإنتاج، وارتفاع البطالة.
- انخفاض في الثقة والإنفاق.
- الكساد (Depression):
- مرحلة شديدة من الركود.
- انخفاض حاد وطويل الأمد في النشاط الاقتصادي.
- يمكن أن تستمر لفترة طويلة وتؤدي إلى تغييرات هيكلية في الاقتصاد.
تتكرر هذه المراحل بشكل دوري، وعادةً ما تكون متأثرة بعوامل داخلية وخارجية,ولا يشترط في كل دورة اقتصادية الوصول إلى مرحلة الكساد والبقاء فيها لفترة طويلة, أيضاً يجب التنبيه إلى أن مراحل الدورات الاقتصادية تختلف من بلد إلى أخرى في نفس الوقت, على سبيل المثال يمكن تصنيف الاقتصاد الأمريكي اليوم في أبريل 2025 أنه ينتقل من التضخم باتجاه الركود في حال لم تتدخل الحكومة الأمريكية وتقوم بطباعة المزيد من النقود وبالتالي تجنب الاقتصاد الأمريكي مرحلتي الركود والكساد وتبدأ دورة اقتصادية جديدة من مرحلة الانتعاش, بنفس هذا الوقت بعض دول أوربا الآن تعتبر في مرحلة الركود على صعيد آخر تعتبر الصين في مرحلة الانتعاش مع بداية دورة اقتصادية جديدة.
إن تباين الدورات الاقتصادية واختلاف مراحلها من بلد لآخر يخلق فرص مميزة للمستثمر العقاري ولكن بنفس الوقت كون هذه الدورات غير متشابهة ولا متزامنة في كل دول العالم يجعل من اختيار البلد الصحيح والإجراء المناسب في هذا البلد أمراً يحتاج لدراسة معمقة.
ذكرنا في مقال سابق المحفظة العقارية وأنه يجب أن يكون لدى المستثمر في محفظته سيولة وعقارات بنفس الوقت تزداد السيولة في مرحلة جني الأرباح التي تكون مرحلة الازدهار وتنقص السيولة وتزداد العقارات في مراحل الأزمات التي تضم تخفيضات على الأسعار مثل مراحل الركود والكساد , إذا كنت تريد المزيد من التفاصيل يمكنك العودة للمقالة التي تكلمنا عنها لتتعرف على تطبيق عملي لمراحل سوق العقار التركي في السنوات الماضية وتوقيت البيع والشراء الأنسب.
المستثمر العقاري الذي لا يقوم بدراسة دورات الاقتصاد ولا يدرك أثناء الشراء في أي مرحلة نحن هو في الحقيقة يخاطر بنجاح استثماره العقاري بشكل كبير , وللاسف حسب ملاحظاتنا اليومية نجد أن أكثر من 90% من المستثمرين الفرديين يقومون بشراء العقارات في مرحلة الازدهار ويحاولون بيعها في مرحلة الركود على عكس تماماً المستثمرين الخبراء أو الصناديق الاستثمارية التي تشتري العقارات في مراحل الركود وتبيعها في مراحل الازدهار.
ولكي نحافظ على موضوع مقالنا ونناقش الأثر الاقتصادي بشكل عام على سوق العقار سنعود لنجيب على الأسئلة التي طرحناها أعلاه ونسقط الأمثلة العملية عليها:
1-ما هي نسبة الفائدة في البنوك المركزية ويلحق بها نسبة الفائدة على القروض العقارية؟
نسبة الفائدة في البنوك المركزية هي السعر الذي تحدده البنوك المركزية للاقتراض أو الإقراض بين البنوك. تُستخدم هذه النسبة كأداة رئيسية في السياسة النقدية للتحكم في التضخم، الدعم الاقتصادي، وتنظيم المعروض النقدي.
أمثلة على نسب الفائدة في بعض دول العالم في تاريخ ابريل 2025
البنك الفيدرالي الأمريكي وبنك انجلترا : 4.5%
البنك المركزي الأوروبي : 2.4%
مؤسسة النقد العربي السعودي : 5.5%
مصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي : 5.15%
بنك اليابان : 0.5%
البنك المركزي المصري : 25%
البنك المركزي التركي : 46%
نسبة الفائدة على القروض العقارية عادةً ما تكون أعلى من نسبة الفائدة الأساسية للبنك المركزي.
لنفهم مدى حجم ارتفاع الفائدة في السنوات الأخيرة يكفي أن نقول أن نسبة الفائدة في البنك الفيدرالي الأمريكي قبل 3 سنوات وتحديداً في مارس 2022 كانت 0.5% وهي الآن 4.5% يعني 9 أضعاف أعلى من نسبة 2022 وهذا بحد ذاته يشكل قيوداً كبيرة على قطاع العقارات إذ تبدو في هذه الحالة القروض العقارية غير جذابة أبداً لأن الفوائد على الأقساط قد تتجاوز قيمة القسط نفسه , وهذا ما يبرر تباطؤ النمو في القطاع العقاري أثناء نهاية فترة الازدهار في الأسواق, وهي سلسلة متتالية فإذا كان المستثمر غير قادر على شراء عقار من خلال القروض العقارية فكيف سيتمكن المطور العقاري من تسليم المشروع في الموعد المحدد مع العلم أن المطور العقاري لا يمتلك ميزانية تكفي لتغطية كل تكاليف الإنشاء بل يعتمد على أموال المستثمرين في المراحل الأولى لإتمام عملية الإنشاء.
في تركيا تعتبر الفائدة الحالية 46% هي الأعلى على مستوى العالم وهو بالنسبة للاقتصاد الدواء المر الذي سيؤدي للشفاء ولكن بالنسبة للقطاع العقاري فهو بالتأكيد له أثر سلبي جداً تؤكده الملاحظات الحالية على أرض الواقع مدى التباطؤ والتأخر في تسليم المشاريع القديمة مع تقليص واضح لعدد المشاريع الجديدة التي يتم إطلاقها.
هل هذا يعني أن الاستثمار العقاري في تركيا غير مربح؟
بالتأكيد هذا التفكير لا يدل على بعد رؤية عندما يتم طرحه لأن السوق الواقع في ركود يشكل الفرص الأمثل لشراء عقارات بأقل من سعرها الحقيقي أحياناً بنسبة 40% ليتم بيعها لاحقاً في مرحلة الازدهار وتحقيق أرباحاً كبيرة, من الممكن القول أن المستثمرين العقاريين في تركيا في الغالب لم يحققوا الأرباح التي كانوا يحلمون بها وفي الحقيقة هذا صحيح والسبب يعود في ذلك ليس فقط في تفويت الوقت المثالي للشراء والبيع بل أيضاً هناك مجموعة من الأسباب ناقشناها مطولاً في مقالاتنا السابقة ولا نريد سردها هنا خشية الخروج عن موضوع المقال الحالي.
في هذه النقطة لن نتناول الحلول , وذلك لأن الحلول دوماً متغيرة حسب متغيرات السوق المتسارعة ولكن يمكننا القول أنه يمكنكم الحصول على استشارة مجانية من خلال التواصل معنا للتعرف على الوقت الأمثل لشراء أو بيع عقاراتكم.
2-ما هي معدلات تسعير مواد الإنشاء ومدى تباين أسعارها أثناء إنشاء مشروع ما؟
نراقب المخطط أعلاه الذي يشير إلى أسعار الفولاذ ونلاحظ في بدايته كيف ارتفعت أسعار الفولاذ عالمياً مع بداية 2021 لتصل إلى ذروتها في نهاية العام نفسه تقريباً , وهذا الزيادة كبيرة جداً في فترة قصيرة وبالتالي أسعار العقارات ستتأثر بشكل كبير وسيقع المطور العقاري في معضلة للقيام بحسابات صحيحة تؤمن للمستثمر الذي يشتري بالتقسيط فرصة جيدة ولكن بنفس الوقت أن تكون التكاليف محسوبة بشكل صحيح.
والآن إذا انتقلنا إلى البلد الذي عانى من نسب تضخم عالية جداً وهو تركيا سندرك سبب وصول القطاع العقاري فيه لحد الركود ولو بشكل جزئي منذ منتصف عام 2023 تقريباً.
لنتذكر مجدداً أن وصول السوق العقاري لحالة ركود هو أمر ليس سلبياً للمستثمر وإنما هو دلالة على أن فرص الشراء الآن هي الأفضل بأسعار أقل من سعر السوق وهي أهم نقاط الاستثمار العقاري الناجح .
3-ما هي تكاليف الشحن في حال كانت الدولة التي يتم فيها الإنشاء تستورد مواد الإنشاء من الخارج أو بعضها؟
من الواضح أن تكاليف الشحن من الصين إلى أميركا على سبيل المثال ارتفعت بشكل كبير جداً بعد كوفيد 19 واستمر هذا الارتفاع ليبلغ ذروته في منتصف 2021 ليعاود الهبوط من جديد في نصف 2022 بعد حل مشكلة سلاسل التوريد , وأخيراً نلاحظ ارتفاعه مجدداً مع بداية 2024 لأسباب لها علاقة بالتضخم العالمي هذه المرة.
لا بد أن تؤثر تكاليف الشحن للمواد الإنشائية على تسعير العقارات الجديدة وهو عامل جديد يضاف لما سبق .
4-ما هي حزم التحفيز التي ستقدمها الحكومة للمطور العقاري لتفادي تعثره؟
حزم التحفيز التي تقدمها الحكومات للمطورين العقاريين تختلف من بلد لآخر، لكنها غالبًا ما تشمل مجموعة من الإجراءات والتسهيلات لجذب الاستثمار في قطاع العقارات. إليك بعض الأمثلة الشائعة:
- الإعفاءات الضريبية:
- تخفيضات أو إعفاءات من الضرائب على الأرباح أو العقارات.
- إعفاءات من رسوم التسجيل أو الترخيص.
- التمويل المدعوم:
- قروض ميسرة بفوائد منخفضة أو بدون فوائد.
- ضمانات حكومية للقروض لتقليل المخاطر على المؤسسات المالية.
- تسهيلات في التخطيط والبناء:
- تسريع إجراءات الحصول على التراخيص والموافقات اللازمة.
- توفير أراضٍ بأسعار مخفضة أو عبر عقود إيجارية طويلة الأمد.
- حوافز للابتكار والاستدامة:
- دعم المشاريع التي تركز على البناء المستدام أو استخدام التكنولوجيا الحديثة.
- منح للمشاريع التي تهدف إلى تحسين البنية التحتية أو توفير الإسكان بأسعار معقولة.
- برامج الشراكة بين القطاعين العام والخاص (PPP):
- تشجيع التعاون بين الحكومة والمطورين لتنفيذ مشاريع كبيرة.
تُستخدم هذه الحزم لتعزيز النمو الاقتصادي، توفير فرص العمل، وتحسين البنية التحتية في المجتمعات المحلية.
5-كم ستبلغ نسبة التضخم في بلد ما و كم هي المدة التي سيبقى فيها التضخم مرتفعاً قبل عودته مرة أخرى إلى النسب الطبيعية لهذا البلد؟
نسب التضخم المرتفعة تؤثر على أسعار مواد الإنشاء المحلية أيضاً والأيدي العاملة وتكاليف معدات الإنشاء , بلغ التضخم السنوي في تركيا عام 2023 نسبة 64% على حسابات المراكز الحكومة ووصل إلى 127% حسب رأي بعض الوكالات الخاصة , بغض النظر عن التفاوت الكبير بين الرقمين إلا أن كل منهما يعتبر رقم ضخم جداً , وحتى من أجل اقتصاد ناشئ مثل الاقتصاد التركي إذ يعتبر أي رقم يزيد عن 20% رقماً كبيراً والهدف دوماً الحصول على تضخم أقل من 10% سنوياً.
حتى مع نزول هذه النسبة إلى 42% في مطلع عام 2025 ما تزال كما أشرنا نسبة كبيرة جداً , والآن سنلخص الصعوبات في سوق العقار التركي بشكل عام حالياً:
- تضخم بنسبة تفوق 40% وهذا يعني ارتفاع مستمر بأسعار تكاليف الإنشاء والأيدي العاملة.
- فائدة في البنك المركزي التركي 46% وللقروض العقارية أعلى من ذلك (حسب حالة كل شخص وممتلكاته وحجم القرض العقاري وفترة السداد) وبالتالي امتلاك عقار بالتقسيط ليس جذاباً في هذه الحالة.
- غياب حزم التحفيز من الحكومة للمطورين العقاريين بشكل شبه كامل.
- غياب الاهتمام بالاستثمار العقاري كون الودائع البنكية تعطي عائداً مرتفعاً ومضموناً.
- صعوبات تتعلق بالوضع السياسي الحالي ومخاوف يتم بثها دوماً بواسطة قنوات المعارضة في الداخل والخارج.
- غياب وجود تسهيلات من الحكومة التركية للمستثمرين المحليين.
- غياب وجود تسهيلات أيضاً للمستثمرين الأجانب (على الرغم من إبقاء قانون الجنسية التركية مقابل الاستثمار بقيمة 400 الف دولار سارياً) .
إذا كنت ترغب بمعرفة هل سوق العقار التركي ما زال واعداً للاستثمار العقاري اسأل نفسك هل يمكن حل الصعوبات التي ذكرناها أعلاه أن أنها دائمة؟
6-هل ستدخل هذه البلد في ركود اقتصادي أثناء الدورة الاقتصادية أم لا ؟
بما أن معدلات الفائدة مرتفعة في معظم دول العالم هذا يعني أن قطاع الاستثمار العقاري فيها يعاني بشكل جزئي أو كامل , بالنسبة لبلد مثل تركيا واضح جداً أن الركود في قطاع العقارات الآن موجود , وهذا الوقت ليس مثالياً لبيع العقارات القديمة بالتأكيد, إنما هو الأنسب لامتلاك عقارات أخرى أو الانتظار حتى ينتهي هذا الركود وتعود الحركة للاسواق مجدداً.

